تأتى هذه المقالة فى سياق تحليل موقف القوى السياسية الداعية إلى وقف الحرب من مسألة الشرعية و إمكانية تشكيل حكومة مدنية فى ظل الأوضاع الحالية التى تمر بها البلاد.
إنتهت الشرعية الدستورية و السياسة للحكم فى السودان بانقلاب 25 أكتوبر، و بإشعال حرب أبريل إكتمل الانهيار الدستورى الكامل، و لم تعد هنالك حكومة شرعية فى السودان، هذا موقف القوى السياسية الداعية لوقف الحرب و إستعادة مسار الانتقال الديمقراطى، إكتفت القوى السياسية بإعلان هذا الموقف و لم تتخذ أية خطوة عملية لتأكيد عدم شرعية سلطة الأمر الواقع ، و بالمقابل إستمرت مجموعة بورتسودان تمارس السلطة السيادية فى جزء من البلاد، و تتعامل معها بعض من الأطراف الاقليمية و الدولية ، تتمدد يوما بعد يوم لكسب المزيد من المساحات فى محاولة لفرض واقع سياسى لا يمكن تجاوزه.
تنتهج سلطة الأمر الواقع الوسائل العسكرية و الامنية كوسيلة لحل الصراع المدمر فى البلاد و ترفض اية مساع سلمية، و لكن وفق المعطيات الميدانية ليس هنالك اية مؤشرات تدل على أنها تستطيع حسم الصراع، و إذا إنتصرت ستفرض واقعا جديدا و إرادة منتصر تنسف معها أحلام السودانيين فى العودة للحكم المدنى الديمقراطى و لشعارات ثورة ديسمبر، بل تكرس لدكتاتورية عسكرية قابضة مدعومة بعناصر النظام المباد و المأجورين من حركات الإرتزاق.
تناور سلطة الأمر الواقع من حين إلى آخر بتشكيل حكومة مدنية محدودة المهام لإدارة شؤون البلاد فى ظل الحرب، فى حقيقة الأمر، هذه إستراتيجية و مناورة لكسب المزيد من الوقت و الاستمرار فى ممارسة السلطة لأطول فترة ممكنة، هذا الوضع يوفر فرصة الكسب المادى و ممارسة السلطة فى ظل الظروف الإستثنائية، و للمحافظة على هذا الوضع،تشكلت لدى هذه السلطة قناعة راسخة و لديها إستعداد لمقاومة الضغوط الدولية و مواجهة أى جهد مخلص لحل الصراع و نسف اية مبادرة جادة لوقف الحرب.
إذا أقدمت سلطة الأمر الواقع فى بورتسودان على تعيين رئيس وزراء و تشكيل حكومة سيقابله إجراء مماثل من الدعم السريع بتشكيل حكومة تمارس مهامها فى الاراضى التى تقع تحت سيطرتها و يجد من المنظومة الاقليمية و الدولية من يعترف بها، و عندئذ يستطيع الدعم السريع الدخول فى إلتزامات دولية توفر له تأمين السيادة الجوية للاراضى التى تقع تحت سيطرتها و يفرض واقعا سياسيا و امنيا تخلط اوراق الحل السلمى و تخلق معطيات جديدة يصعب تجاوزها.
الاستمرار فى ممارسة السلطة بصورتها الحالية و الإصرار على الحلول العسكرية لحسم المعركة دونما إكتراث لعامل الزمن و التكلفة المادية و البشرية، و فى ظل عجز القوى المدنية من إلتقاط زمام المبادرة و منازعة شرعية سلطة الأمر الواقع فى بورتسودان، ربما يدفع الدعم السريع لتشكيل حكومة موازية لسلطة الأمر الواقع فى بورتسودان، و يدخل السودانيون فى مرحلة جديدة، مرحلة النزاع حول الشرعية، و من يمثل من، و تصبح مسألة الشرعية متنازع عليها فى الأروقة الاقليمية و الدولية، و نلجأ للاحتكام للمواعين الدولية ذات الإجراءات البيروقراطية العقيمة، و يستمر نزيف الدم السودانى، و يستمر الذين أشعلوا هذه الحرب و أصحاب النظرية الفيتنامية فى إستنزاف ما تبقى من أرواح و موارد البلاد.
محاولات الآلية الأفريقية الرفيعة الرامية لحل الصراع المسلح عبر عملية سياسية مازالت تراوح مكانها، و لم تكتب لها النجاح إلا بمشاركة الطرفين المتحاربين، مع حالة الممانعة التي نشاهدها من طرف الجيش لا يمكنه الجلوس مع الدعم السريع للوصول لإتفاق وقف إطلاق نار شامل من خلال عملية الحوار السياسى.
تشوب مواقف القوى السياسية الرافضة للحرب و الداعية للحل السلمى نوعا من الضبابية و عدم الوضوح، السكوت على هذا الوضع يفهم ضمنا القبول على ماهو عليه من حال، و هو سلطة الأمر الواقع، مجرد الإكتفاء بعدم شرعية السلطة لم يكفي، المطلوب هو إتخاذ خطوات عملية لإكتساب الشرعية، و ذلك بتشكيل حكومة تستمد شرعيتها من الوضع الدستورى القائم قبل الانقلاب، مسنود بقرار الاتحاد الافريقى الرافض للانقلاب و الداعم للعودة للوضع الدستوري القديم. و هذا يقتضى من الناحية الاجرائية، أن تقوم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية ( تقدم) و القوى المتحالفة معها بإتخاذ خطوات عملية بمخاطبة الجمعية العامة للأمم المتحدة، و اللجنة الخاصة بالاعتماد و منح الاعتراف، و المنظمات المالية و على رأسها صندوق النقد الدولى، الاتحاد الاوروبى، و الاتحاد الافريقى بعدم التعامل مع سلطة الأمر الواقع فى بورتسودان لعدم شرعيتها، و إبعاد ممثليها فى هذه المنظمات، و البدء فى إجراء مشاورات واسعة مع القوى المدنية الرافضة للحرب، و قوى الثورة من الشباب و النساء و لجان المقاومة و الشخصيات الوطنية الفاعلة لتشكيل الحكومة.
إذا فشلت القوى المدنية فى القيام بهذه الاجراءات سيفتح الباب واسعا و خيارا متاحا للدعم السريع لإجراء مشاورات مع القوى السياسية و المدنية و المهنيين و النقابات و المجتمع الرافض للحرب لتشكيل حكومة مدنية ذات قاعدة عريضة.