في مشهدٍ يعكس تناقضات الواقع السوداني المعاصر، شهدت لندن مظاهرة مدفوعة الأجر أمام مقر ندوة *تقدم *، حيث ظهر بعض السودانيين ممن يهتفون لتمجيد الحرب والترويج للجيش كحامي الكرامة، في استعراض واضح للغوغائية داخل بلدٍ متحضر. هذه المظاهرة وما تخللها من مشاهد شبابية مستغربة تعكس كيفية التلاعب بالأفراد وتحويل قناعاتهم، بعد أن كان نفس الباص يستخدم لنقل المتظاهرين للمطالبة بالعدالة ضد نظام الإسلاميين البائد.
بينما سقط رأس النظام البائد، بقيت ذيوله تلوّح بواجهات جديدة، و هي تسعى للترويج لحرب باطلة تحت شعار “كرامة” مزعومة، مما يؤكد أن تلك الذهنية المتسلطة لا تزال تستخدم الإعلام والأدوات المختلفة لصناعة “إنسانٍ مقهور”، يخضع لمعادلات خارجية وداخلية تحول قناعاته وتعيد توجيهه ضد من كانوا يوماً يناصرون قضاياه.
و اكثر المفارقات التي تثير تساؤلا؛ ذاك الشخص الذي كان يحمل لافتة عليها صورة حمدوك بعلامة “كروس” حمراء اليوم، هو نفسه من كان قبل أعوام، في ظل نظام البشير، يحمل صورة علي كرتي بذات العلامة.يُظهر هذا التناقض مدى التلاعب بأفكار الأفراد واستغلالهم في الصراعات السياسية، وكيف تتحول القناعات وفقاً للأجندات المختلفة.
في ظل نظام البشير، كان علي كرتي رمزاً للفساد والقمع و هو صاحب التسعة و تسعون قطعة ارض في ضاحية نبته بمدينة بحري، وكان المتظاهرون، بما فيهم هذا الشخص الذي يتهجم علي اناس سلميين يتحدثون و يستمعون في هذا الندوة، هو ذات الشخص الذي كان يطالب بمحاسبة كرتي نتيجة فسادة و إجرامه، و كرتي نفسه هو وزير الخارجية البشير و كان يبرر لإحرام نظامه الذي أسس للمليشيات و حرق القري و التطهير العرقي و هو مليشي بأمتياز اكثر من البشير و علي عثمان و حتي البرهان، ويعد عي كرتي هو منسق الدفاع الشعبي و المجاهد المدعي بالباطل
. واليوم، مع تغير الظروف وانقلاب الأدوار، و رجوع الإسلاميين للسلطة اصبح بعض الشباب يعاد صياغتهم لخدمة اتجاهات سياسية جديدة رأس الرمح فيها علي كرتي و سناء حمد و هما من يحملان في عاتقهم رجوع فلول النظام البائد الي السلطة و الهجوم علي عبد الله حمدوك و قوي تقدم يعتبر ضلعا اساسياً يمهد لذلك.
هذا التبدل السريع في الولاءات يعكس حالة من فقدان البوصلة لدى بعض الأفراد الذين أصبحوا أدوات في يد من يملكون القدرة على التأثير عليهم، سواء بالمال أو بالدعاية.
تظل المأساة في واقع السودانيين القابعين بين مطرقة الاستغلال الإعلامي وسندان الحرب، وسط محاولات مستميتة للالتفاف على حقوقهم العادلة لبناء وطن معافي من الحروب و التمييز و التشويه علي مسارهم من اجل انتشال بلدهم من هذه الحرب اللعينة، حيث لا يزال عبد الله حمدوك ومبادئ حكومة الثورة منارةً ترفض المهادنة أو التنازل أمام رموز النظام المخلوع وأتباعه من الإسلاميين العائدين بواجهاتٍ أخرى.
١ أكتوبر٢٠٢٤م