تحليل خطاب قائد الدعم السريع .
سألني أحد الأعزاء عن رأيي في خطاب قائد الدعم السريع… فقلت له: أنا مصدوم من التحليلات الفطيرة لأخطر خطاب مر على السودان. اطلعت على معظم التحليلات، فوجدت معظمها رغائبي وعاطفي مع أو ضد. والمؤسف أكثر عندما حُمل اندلاع الحرب على الاتفاق الإطاري والتحذير المغلظ أنه سوف ينتج حرباً، وقد كان. والأسف أن الكثير منهم ذهبوا لتحليل غير صحيح وتأويلات خاطئة، بما فيهم بعض مناصري الإطاري. في رأيي أن القصد هنا أن الإطاري يجرد المؤتمر الوطني ويقطع الطريق لعودته، فناصبوه العداء وأقاموا الندوات وهددوا بتمزيقه، فقامت الحرب نتيجة لذلك، ودفع ثمن مناصرته للإطاري. أما ما أصابني بالدهشة هو زملاء أعزاء، بيننا رسائل ونقاشات حول الدور المصري في السودان سلباً أو إيجاباً بناءً على المصالح المشتركة بين البلدين، فكانوا أكثر شططاً تجاه حكومة القاهرة، فوجدتهم اليوم يهللون ويدعمون ما كانوا ضده دون حياء، على اتهام أنكرته وزارة خارجية المتهم (التركي ولا المتورك).
خطورة خطاب قائد الدعم السريع تكمن في التحليل الفطير وعدم فهم مآلاته، لأن الإعلام الموجه أوحى للعامة والمناصرين لميليشيات جيش المؤتمر الوطني أنه خطاب انهزام، وأن صاحبه استيقظ من النوم وقال تلك الكلمات في أربعين دقيقة… السبب هو أن هذا الخطاب مسنود بلغة تصعيدية صارمة تجنبت الحديث عن أي إشارة للسلام، لا من بعيد ولا من قريب
ولأصحاب النظرة القصيرة، تناسوا المعلومات التي وردت في اتهامه لمصر، من دقة الحديث عن الطيران ونوعه وحتى مكناته ونوع القنبلة ووزنها وبلد المنشأ. هل تظنون أنها معلومات استخبارات عادية تتبع للدعم السريع؟ وتناسيتم الصحيفة الأمريكية التي تحدثت عن نفس الاتهام. أيضاً، للسذج، هل تناسيتم التقاطعات المصرية الإثيوبية بسبب سد النهضة والتوقيع على بروتوكول دول المنبع والنيل من غير وجود مصر؟ أم تناسيتم الصراع على البحر الأحمر بين روسيا من جانب وأمريكا وأوروبا من الجانب الآخر؟
عندما أقول أن هذا أخطر خطاب، لأنه دشن بطريقة عملية الصراع الدولي العلني في مسرحه الجديد السودان… ودشن مرحلة جديدة من الحرب العنيفة، وكشف زيف المؤتمر الوطني والفلول والحركة الإسلامية التابعة لهم، ضعفهم وهوانهم، وكيف أنهم استعانوا بالخارج، بدول ذكرها بعينها وكذلك مقاتلين على الأرض. أضف إلى ذلك، كشف مدى تكالب الدول على مصالحها في السودان، ولا يعيرون أي قيمة لحياة المواطن السوداني واستمرار هذه الحرب المدمرة.
أخطر ما في الخطاب أنه أثبت للجيل الجديد والقديم أن تاريخ السودان، الذي بدأ منذ دخول محمد علي باشا وبعد ذلك الثورة المهدية وبعدها الاستعمار الإنجليزي والمصري، أن الإنقاذ وأنصارها وأنصار السودان القديم ما زالوا يقرأون من ذلك الكتاب الذي انتهى عصره، ولكنهم يصرون على الاستمرار فيه، ولكن هيهات، لأن ذلك يتنافى مع سنن الحياة وسنن التغيير. الخطاب أرسل رسالة للدول التي تساند السودان القديم والإنقاذ و المؤتمر الوطني ، إنهم إذا أرادوا أن يتم التعاون المثمر وتبادل المصلحة بيننا وبينهم، عليهم أن يقفوا عن التدخل في شأن السودانيين ويتركوا السودانيين يقررون مصيرهم.
من ناحية أخرى، أعلن هذا الخطاب الخطير داخلياً الحرب والتعبئة العامة وسط جنود الدعم السريع. بل هذه التعبئة العامة تعني بطريقة غير مباشرة رسالة قوية للقوى السياسية التي تقف ضد الفلول والمؤتمر الوطني والذين ناصروا الاتفاق الإطاري، عليهم أن ينظروا لخطورة الموقف وان لا يعطوا الفلول فرصة العودة وان ينصروا السودان الجديد، سودان الحرية، سودان السلام، والفيدرالية والحكم المدني. الخطاب حدد وميز الصفوف تماماً، ليس هناك منطقة وسط إطلاقاً. إما أن تكون مع الفلول والمؤتمر الوطني والحركة الإسلامية والكتائب الجهادية والسودان القديم العنصري الذي أذاق شعبنا العذاب والفقر والجوع والحروب، أو تكون مع قوى السلام المؤمنة بالحرية والمواطنة المتساوية وإعادة بناء الدولة السودانية على أسس جديدة، وتعيد القرار للشعب وتعيد السيادة الوطنية للشعب السوداني. بعد خطاب القائد الفريق محمد حمدان دقلو، لا أعتقد أن السودان سيكون كما كان سابقاً. فلنستعد جميعاً لبناء السودان الجديد، وعندما يحدث ذلك حينها سوف تدركون أن تحليل العاطفة و المناطقية أو الأيديولوجية أو العنصرية أو الجهوية أو القبلية ما هو إلا لحظة عابرة تزول بزوال المؤثر… وحينها لا ينفع الندم.