استغلال المساعدات الإنسانية في السودان: الاتهامات الموجهة لحزب المؤتمر الوطني المباد، و بيادقه من الحركات المسلحة
أدم يعقوب
في ظل الأوضاع الإنسانية المتردية التي تعيشها العديد من مناطق السودان نتيجة للحرب المستمرة منذ الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣، برزت تقارير تتهم بعض الأفراد المنتمين لحزب المؤتمر الوطني، وبعض العناصر المنتمية للحركات المسلحة السابقة، بالتلاعب بالمساعدات الإنسانية المخصصة لضحايا الحرب. هذه الممارسات تثير تساؤلات حقيقية حول مستقبل المساعدات الإنسانية وفعاليتها في تلبية احتياجات الضحايا.
*المشهد السوداني: أزمة إنسانية مستفحلة*
منذ سنوات عديدة، يعيش السودان في دوامة من الصراعات المسلحة، خصوصاً في دارفور وجبال النوبة ومناطق أخرى، ما أسفر عن مقتل وتشريد الملايين. ورغم توقيع العديد من الاتفاقيات السياسية لوقف النزاع، تظل آثار الحرب مريرة على السكان الذين يعانون من الفقر المدقع، نقص الخدمات الأساسية، الأمراض و الاوبئة، والظروف الإنسانية القاسية، لتطل عليهم حرب اخري شاملة بين شركاء الأمس أعداء اليوم و تشكل حلف عسكري يقوده جنرالات حرب افتقرت قلوبهم الرحمة و يصدون ما يجود به الغرباء للمواطنين و استخدامه كمجهود حربي و سلاح يوظف لصالح حربهم.
في هذا السياق، تلعب المساعدات الإنسانية دوراً حاسماً في تخفيف معاناة هؤلاء الضحايا. تُقدم المواد الإغاثية التي تشمل الغذاء، الدواء، والمأوى، من قبل منظمات دولية و دول إقليمية. إلا أن هذه الجهود تواجه تحديات متزايدة مع ظهور تقارير تفيد بأن جزءًا من هذه المساعدات يتم استغلالها بشكل غير مشروع.
*الاتهامات: نهب المساعدات لمصالح سياسية*
وفقًا للتقارير والشهادات المحلية، يتهم بعض المراقبين الوطنيين ان شخصيات سياسية مرتبطة بحزب المؤتمر الوطني، و الحركة الإسلامية، بالإضافة إلى بعض سواقط الحركات المسلحة السابقة، بالاستيلاء على المواد الإغاثية أو توجيهها لمصالحهم الخاصة. هذه الممارسات تُنتهك الأهداف النبيلة التي تهدف إلى مساعدة الضحايا الفعليين للحرب، وتزيد من تعقيد الأوضاع الإنسانية.
ما يجعل هذا الوضع أكثر خطورة هو أن هذه التصرفات قد تُقوّض جهود المجتمع الدولي في تقديم المساعدات، مما يؤدي إلى فقدان الثقة في المؤسسات الإغاثية و الأطراف المنوطة بها إيصال هذه المساعدات، وربما تراجع الدعم الدولي المستقبلي.
*الأبعاد الأخلاقية والقانونية*
استغلال المساعدات الإنسانية ليس فقط جريمة أخلاقية، بل هو انتهاك للقوانين الدولية. المساعدات تُعتبر حقًا إنسانيًا لضحايا النزاعات، وأي استيلاء عليها بشكل غير مشروع يجب أن يُواجه بعقوبات صارمة. يجب على اطراف الحرب الالتزام و التعاون مع المجتمع الدولي، و إجراء تحقيقات شاملة وشفافة حول هذه المزاعم، وضمان محاسبة المتورطين،وفقا وفقا للالتزامات التي تم قطعها في مؤتمر جنيف الاخير بتسهيل وصول المساعدات للمدنيين في كل المناطق المتأثرة بالحرب دون استثناء.
*التداعيات على الأرض: استمرار معاناة الضحايا*
في الوقت الذي تتصاعد فيه هذه الاتهامات، تظل معاناة الضحايا مستمرة. السكان في المناطق المتضررة يعيشون في ظروف قاسية، ويعتمدون بشكل شبه كامل على المساعدات. أي تعطيل لهذه المساعدات بسبب استغلالها من قبل أطراف سياسية أو مسلحة يزيد من تفاقم معاناتهم ويطيل من أمد الأزمة الإنسانية.
علي سبيل المثال؛ إفادت تقارير بأن بعض مناطق غرب أمدرمان تعاني من تلوث كبير في مصادر المياه و انتشار الإسهالات بين السكان بصورة وبائية و تفتقد هذه المناطق الي ابسط الأدوية و يتم منع دخولها ان حاول اي فرد و ذلك بحجة انها مناطق تقع تحت سيطرة الدعم السريع، و في الوقت ذاته ليس هنالك اي تواجد لمنظمة الصليب الأحمر الدولي او اي منظمات صحية تقدم المساعدات اللازمة للمرضي.
*الحلول: تعزيز الشفافية والمساءلة*
لمواجهة هذه التحديات، يجب اتخاذ عدة خطوات حاسمة:
اولا; التحقيق الشفاف:يجب تشكيل لجنة تحقيق مستقلة لمراجعة جميع الشكاوى المتعلقة باستغلال المساعدات، وضمان محاسبة المتورطين.
ثانيا; تعزيز الشفافية: على المنظمات الإغاثية و الدول المانحة أن تُعزز من مراقبتها وتحقق في كيفية توزيع المساعدات، وأن تُنشئ آليات تضمن وصول المواد الإغاثية إلى مستحقيها.
ثالثا; التنسيق مع المجتمع الدولي: يجب أن يكون هناك تنسيق قوي بين الجهات التي تتصارع علي الارض كلا علي حده مع المجتمع الدولي ” كلا علي حدة لاستحالة التنسيق المشترك لعدم وصول اتفاق في جنيف حول الأمر” لضمان عدم تسييس المساعدات أو استخدامها لتحقيق مكاسب خاصة.
خاتمة: الأزمة تحتاج إلى حلول عاجلة
إن استغلال المساعدات الإنسانية في السودان يُعد واحدًا من التحديات التي تواجه البلاد في الوقت الذي يعاني الشعب من عدم الامن و الانتهاكات و القتل خارج القانون. وبينما يسعي المجتمع الدولي إلى محاولة احياء اي عملية تفاوضية لانهاء الصراع الدائر بين الجيش السوداني و من خلفه الحركة الاسلامية و بيادقه من حركات الارتزاق؛ تسعي الجهات سالفة الذكر الي السيطرة علي المساعدات الانسانية من أغذية و دواء، و العمل علي عدم وصولها لمستحقيها الحقيقيين. المساعدات الإنسانية هي شريان الحياة لضحايا النزاعات، وأي محاولة لاستغلالها أو تعطيلها تُعَدُّ جريمة ضد الإنسانية، ويجب أن يُحاسب عليها كل من يثبت تورطه.