كتب: شريف محمد عثمان الأمين السياسي لحزب المؤتمر السودان
إلى الفريق ياسر العطا إن كان يقرأ
استمعتُ إلى لقاء الفريق #ياسر_العطا في حفل ترقية عدد من الضباط في منطقة أم درمان العسكرية، وكعادته كان خطاب الفريق بائسًا وهو أمرٌ يتسق مع صفات العسكريين الذين ينخرطون في السياسية متناسين واجبهم الأساسي ، فعلى طوال سنين حكمهم، كانوا عند اعتلاء المنابر، يتملكهم مسٌ من الجنون، إذ يظن أصحاب البزات العسكرية أنهم العالمون بكل شيء، لكن واقع الحال يقول أنهم لا يعلمون شيئاً، وإن كانوا يعتقدون أنهم اشد الناس إدراكاً لمصالح الناس، والحقيقةُ أنهم أعداءُ هذه المصالح، ويعتقدون أنهم قادرون، وحقيقة الأمر أنهم عاجزون، لذا لا اجد وصفاً مُناسباً لهذه الحالة إلا وصمها بجنون المنابر.
تحدث العطا وقال: “إن التفاوض يعني الدخول في مشاكل أمنية وسياسية”، وهذا أمرٌ عجيب، فغض النظر عن أن جنون المنابر قد أعمى بصيرة الفريق – إن كانت لهُ واحدة – فأيُّ مشاكل أمنية يظنها ستحدث في حالة التفاوض مع الدعم السريع؟ أي كوارثَ تفوق ما يحدثُ الآن فعلاً يمكنُ أن تقع حال التفاوض من أجل إنهاء الحرب في السودان، إلا إذا كان قد بلغ علم الفريق أن كائنات فضائية من خارج درب التبانة تنتوي الهجوم على السودان !!!
لكن لا بأس فلنتحدث عن المشاكل الأمنية الماثلة والتي تتجاهلها، إما لكونك لا تعرفها أو لمحدودية قُدراتك على فهمها – وهذا هو الأقرب – فمنذ اندلاع هذه الحرب قبل أربعة أشهر، لم يذهب حوالي 19 مليون طالب إلى مدارسهم. هل تعلم ماذا يعني تسرب الطلاب من المدارس وما هي الآثار المترتبة على ذلك؟ اولاً؛ تزيد نسبة الجريمة بين الأطفال والشباب، أما ثانياً؛ فإنهُ ومع استمرار حالة العنف والحرب، تزيد أعداد الشباب المنخرط في الأعمال العسكرية، مما يهدد بتكوين المليشيات والعصابات المسلحة، وثالثاً؛ إن انعدام الدراسة يؤثر بشكل مباشر على عجلة الإنتاج في المستقبل القريب، مما يزيد من نسب الفقر وله آثار كارثية.
كما أنه ومنذ اندلاع حرب الكرامة الساعيِّةِ إلى قص جِناح “المليشيا” فقد استولد رحم الجيش في ظل هذه الحرب عدداً منها مدَّ السمعِ والبصر، ونعلم أنكم لا تعبأون طبعاً لتفريخ المزيد من حملة السلاح وأمراء الحروب فوفقاً لمنطقكم ، فلا بأس من استيلاد المزيدِ طالما أنها لا تفارقُ خطكم، وبذلك فإن موقفكم يقول بعد كل هذه الحرب وهذا الدمار أنكم لم تُدركوا خطر تعدد الجيوش، وخطره على أمن البلاد القوميِّ، كما غاب عنكم إدراكُ خطر ذلك سابقاً، ورغم ذلك ترون أن وقف الحرب تفاوضاً هو الخطر الامني، يال العبث.
دعنا من الامن القومي ولنعد للاقتصاد، وهنا أسألك بوصفك الرجل الثالث في المؤسسة التي تحوز ما يربو على ٨٠٪ من جملة حجم الاقتصاد الوطني، ألا ترى أن وصول سعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار إلى أكثر من 2000 جنيه، خطراً أمنياً بالغ السوء، ماذا عن انخفاض إيراداتك للخمس، وماذا عن تدمير ٧٥٪ من قطاعك الصناعي؟ ماذا عن انكماش اقتصادك السنوي الذي تجاوز الـ ٤٠٪؟ هل تعلم أصلا مخاطر الانهيار الاقتصادي هذا وأثره المباشر على الأمن؟ ؛ شخصياً لا اظن أنكَ تعقل من ذلك شيئاً، لمحدودية قدراتك، ولبؤس من معك.
لكن مالنا ومال الاقتصاد، لنتحدث عن البشر، عن قاطني هذه الارض الذين تنتوي أنت التضحية بهم جميعاً لقاء الانتصار ، وهنا أنا لا أضع الحديث في فمك بل هذا منطوق كلامك في خطاب سابق، لكن لنرى ما حالُ الناس الآن؟ بلادنا بها أكثر من عشرةُ ملايين نازح ولاجئ، واحدٌ من كُلِّ اثنين في حاجة لمساعدات إنسانية عاجلة، واحدٌ من كل ثلاثة في خطر انعدام كامل للأمن الغذائي، هذا دوناً عن شُح الدواء، وانتفاء الملاجئ للنازحين/ات؟ هل تدرك ما هو حجم المخاطر الامنية التي يسببها كل ذلك؟ لا أظن ذلك.
لكن مالنا ومال الأفراد، لنتحدث عن المُجتمع ، علك تنسى ما افرزته الحربُ من عنفٍ وخطابات كراهية وقتلٍ على أساس الهوية، وعله يخامرنيِّ ظنٌ يبلغ عندي مراتب اليقين بأنك تسعد لذلك، فأنت خريجُ، مدرسة الحرب في السودان التي أساسها الكراهية، وعلى العموم نعلم جميعاً ألا حرب كانت عادلة يوماً في بلادنا، او حوت قدراً من الحقوق، إن حروبنا كانت سمتها الملازمة هي إهدار الحقوق وقوام خطابها الكراهية وحض الناس على العنف والقتل على أساس الهوية، هذا تاريخ حربنا، وأنت يا سيدي تلميذٌ بار لقواعد مدرسة هذه الحرب.
لكن وبالعودة أخيراً للأمن الداخلي، فيا سعادة الفريق، هرب عشرات الآلاف من السجون، وهم من المجرمين المحكومين. هل تعلم أين هم وماذا يفعلون؟ لا أظن، وعموماً هذه الأشياء التافهة يا سعادة الفريق لا تثير عندك بعضاً من الاهتمام، هذا دوناً عن أن بعضهم يعملون معك الان في هذه الحرب، فلا بأس، وفقاً لمنطقك العجيب طبعاً.
هذا غيض من فيض، أما حديثك عن المشاكل السياسية فهو المضحك المبكي. يا سعادة الفريق، السودان يعاني من عزلة دولية بسبب انقلابكم على الانتقال طمعاً في السلطة وجشعاً في مواردها، جمدت عضويته في الاتحاد الأفريقي وسلطتكم سلطة انقلابية لا تحظى بقدر من الشرعية، ولا تتعامل معها المؤسسات الدولية والإقليمية إلا من باب سلطة الأمر الواقع. هل تعلم أن السودان محروم من التمويل من المؤسسات الدولية؟ هل تعلم أن السودان يعاني من حالة من الانقسام السياسي والاجتماعي بسبب ضعف بصيرتكم وسوء تقديركم؟
يا سعادة الفريق، كل العالم يتحدث عن المجاعة والانهيار والإرهاب إلا أنتم فقط، لأنكم وأسرُكم آمنون، والجميع يعلم أين يعيش أبناؤكم وأين يدرسون. أما أبناء شعبنا، فقد دفعتموهم للموت، إما عبر تسليحهم أو عبر تركه للموت جوعاً، هذا دوناً عن الضحايا الذين تتناوب عليهم أدوات إجرامكم أنتم والدعمُ السريع، اختلفتما في كلِّ شيءٍ إلا قتلُنا، كلنا نعلم أن هذه الحرب ستمزق السودان وشعبه، لكنك لا تكترث، حدث هذا سابقًا ولم تكترثوا، ولم يُعِر الذين سبقوك الأمر اهتمامًا، نجومك هذه ونياشينك مُنحتها أصلاً لمشاركتك في حروب السلطة ضد الآمنين، وعلى عموم الحال فلو كان هناك أمر يُحمد للفريق، فهو عندما قال: “حتى لو استمرت مائة عام”، صحيح أنه تصريحٌ عبثي فهي لن تستمر مائة عام بكل تأكيد، لكن الحمد لله الذي أزال من رأسه وهم “الأسبوع أسبوعين والجدار جدارين”، وما زلتُ أرجو أن يُزيل عنك المزيد.