اصبحت الصورة معقدة في واقع مدينة بورتسودان، التي تحولت من ملاذ مؤقت إلى ساحة لمؤامرات سياسية وتحالفات مؤقتة بين أطراف تستثمر في الفوضى والعنف في السودان. بورتسودان بمعزل عن سكانها المسالمين الذين عاشوا طويلًا بروح التعايش، و التراحم، أصبحت مسرحًا لتحالفات ضيقة الأفق، يديرها المستوطنون الجدد و مغتصبي السلطة الذين هربوا من الخرطوم المدمرة، ليواصلوا مخططاتهم ويستغلوا النفوذ القبلي لإشعال الحرب والتربح منها.
هذه التحالفات قامت على أسس هشة، إذ سعى كل طرف لتعظيم مكاسبه على حساب الآخرين دون اعتبار للوطن والشعب، معتمدين على مجلس شوري القبائل في تجنيد الشباب للقتال في حرب وصفوها بحرب “الكرامة”، بينما هي في حقيقتها حرب استغلال ودمار. إلا أن هذه التحالفات بدأت تتصدع مع طول أمد الصراع، إذ أدرك كل طرف أنه لا يستطيع تحقيق النصر بسهولة، وأنه استثمر في حسابات خاطئة، مما أدى إلى تزايد الانقسامات بين جنرالات الجيش المدعومين من الإسلاميين من جهة، وبعض قادة الحركات المسلحة الذين خانوا تاريخهم لأجل المال من جهة أخرى.
تسريبات إعلامية، بعضها مفتعل، تكشف عن محاولات لتعزيز النفوذ السياسي، في حين أن الحرب تأكل الأخضر واليابس، وتضع المدنيين تحت رحمة نزاعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل. كما تظهر صراعات أخرى تتعلق بمصادر موارد الدولة، إذ تسعى أطراف التحالف إلى السيطرة عليها تحت مبررات ظاهرها السلطة والسياسة، لكن جوهرها الطمع والبحث عن موارد مالية تدعم طموحاتهم، في ظل شح الموارد وانعدام الإنفاق على خدمات المواطنين لصالح ميزانية الحرب.
مع تصاعد الصراع بين مكونات هذا التحالف، يبدو أن نهاية هذا التكتل السلطوي باتت وشيكة. فكواليس بورتسودان تشير إلى انهيار الثقة بين الأطراف، مما يمهد الطريق لانكشاف “أصحاب الطاولة الحقيقين” الذين يديرون المشهد من خلف الستار، في انتظار اللحظة المناسبة لإعلان نهاية اللعبة والبدء في فرض واقع جديد.