خمسة أشهر فقط تفصل بيننا وبين اكتمال العام الثاني لهذه الحرب. عسى الله أن يهدي القلوب إلى وقف هذه المأساة الإنسانية غير المحتملة بكل المعايير والمقاييس، قبل أن يكتمل العامان. هذه الحرب التي قلبت السودان رأسًا على عقب. ولكي لا ينسى الناس من كثرة الأحداث والمآسي التي سببتها وتسببها هذه الحرب الكارثية، فإن الهدف والغرض من هذه الحرب كانا بيّنين وظاهرين لدينا منذ بداية انطلاقتها الأولى، وهو الإطاحة بثورة ديسمبر المجيدة، وكل من وقف معها أو ساندها أو انحاز لها. وإن الحديث المتكرر حول حرب السيادة والكرامة هو مجرد هراء وكذب صريح، وشعارات لتغبيش الوعي وغسيل الأدمغة، وللاستمرار في دعم مجموعة بورتسودان الفاقدة للشرعية.
إنها حرب لإعادة نظام المؤتمر الوطني والفلول بامتياز. الحرب الكارثية ما زالت مستمرة في حصاد أرواح المدنيين العزل، ولعل الصفوف قد تمايزت بحق. إن المعارضة الوطنية التي انطلقت منذ قيام الإنقاذ المشؤوم ما زالت بكرة ومُتقدة، وعلى الثوار المدنيين الذين أخذوا العهد مع الوطن والمواطن أن يظلوا في أماكنهم ليواصلوا المسير، وحركات الكفاح المسلح بمختلف مسمياتها التي ما زالت في عهدها مع مبادئ الثورة والثوار والنضال والكفاح النبيل، تظل أيضًا في مواقعها.
لقد عدنا إلى المربع القديم؛ القضايا هي ذات القضايا، والوجوه هي ذات الوجوه، والظلم هو ذات الظلم، والعقلية هي ذات العقلية. ولا يفل الحديد إلا الحديد. لا سلام ولا استقرار، ولا أمن ولا حرية، ولا حكم للشعب، ولا تنمية، ولا مواطنة متساوية مع النظام القديم، وكل رهطه المختفين والظاهرين، الذين عادوا إلى المشهد وإلى مفاصل السلطة مرة أخرى. ما عادت نغمة “حرب الكرامة” و”حرب السيادة” تطرب السودانيين، الذين عرفوا الحقيقة المجردة كالشمس في رابعة النهار.
قيم الحرية والديمقراطية والعيش الكريم، والسلام المستدام، والعيش بعزة ومساواة في وطننا لن تنهزم، وسوف تنتصر مهما بدا أن دولة الظلم قوية، لكنها ضعيفة وعمرها قصير بحول الله. لا غرو ولا محال أن إرادة الشعب قوية وعزيمته لن تلين. وإن ذهاب هذه الحرب ومآسيها من القتل والدمار والانتهاكات الفظيعة على المدنيين، والطيران الذي قتل ويقتل المواطنين الأبرياء، لا محالة سوف ينتهي، وكل الطغاة سوف يذهبون إلى مزبلة التاريخ. والسودان لا ولن يكون كما كان بعد حرب 15 أبريل 2023، التي أسدلت ستار حقبة من أسوأ الحقب التاريخية التي عرفتها الدولة السودانية في تاريخها الحديث.
عودة نظام المؤتمر الوطني والفلول إلى المشهد السياسي على هذا النحو البيّن، وضعت القوى المدنية المؤمنة بوقف الحرب والتحول المدني الديمقراطي، وحركات الكفاح المسلح التي ما زالت قابضة على القضية، وزناد البندقية، نصرة لقضايا الهامش التاريخية التي لم تراوح مكانها منذ استقلال السودان، أمام مسؤولياتهم التاريخية، وتعهداتهم أمام الشعب السوداني، الذي ضحى وما زال يضحي بكل غالٍ ونفيس، من أجل حريته وعزة البلاد وشموخ رجالها ونسائها، ليحيا عزيزًا كريمًا في دولة أساسها سلطة الشعب والمواطنة المتساوية.