بقلم: سريلان غاردي2025
كشفت وثائق مسربة عن عملية سرية تسلط الضوء على تورط عميق لصناعة الدفاع التركية في الحرب الأهلية السودانية الدامية، حيث أظهرت كيف وصلت أسلحة شركة “بايكار”، أكبر مصنع أسلحة في تركيا، إلى أيدي الجيش السوداني، مما أثار اتهامات بالاستفادة من النزاع الدامي في السودان لتعزيز المصالح الجيوسياسية والاقتصادية.
أسلحة تركية تشعل الصراع في السودان
وفقًا لتحقيق نشرته واشنطن بوست، فإن الوثائق التي تم التحقق من صحتها عبر سجلات مالية وتجارية، وبيانات تتبع الرحلات، ورسائل تم اعتراضها، تكشف أن “بايكار” زودت الجيش السوداني سرًا بأسلحة فتاكة بقيمة 120 مليون دولار على الأقل، بما في ذلك ثمانية طائرات مسيّرة طراز “TB2” ومئات الصواريخ الحربية.
تم استخدام هذه الطائرات في غارات جوية مميتة خلال الحرب الأهلية التي اندلعت قبل عامين، والتي وصفتها الأمم المتحدة بأنها “أسوأ كارثة إنسانية في العالم”. في إحدى الرسائل المسربة، أرسل موظف في “بايكار” لرئيسه مقطع فيديو لضربة جوية نفذتها إحدى الطائرات التركية، مرفقًا الرسالة بعبارة: “الهجوم اليوم”. بعد أيام قليلة، أظهرت تسجيلات أخرى قصفًا استهدف مستودعًا ضخمًا، ما يعكس الدور المدمر لهذه الأسلحة في الصراع.
ازدواجية تركية في الصراع السوداني
تكشف الوثائق أيضًا أن شركات تركية أخرى ربما تكون قد زودت قوات الدعم السريع بالأسلحة. تشير تسجيلات هاتفية إلى أن مسؤولًا في شركة “آركا ديفنس” التركية، ويدعى أوزغور رودوبلو، كان على اتصال مباشر مع القوني حمدان دقلو موسى، المسؤول عن تسليح قوات الدعم السريع وشقيق قائدها. ورغم نفي “آركا ديفنس” بيع أي أسلحة لقوات الدعم السريع، فإن المراسلات تشير إلى مناقشات حول صفقات محتملة، بل إن موسى عرض بيع أسلحة استولت عليها قواته خلال المعارك.
صمت رسمي رغم الأدلة
ورغم الأدلة المتزايدة، لم يصدر أي تعليق رسمي من “بايكار” أو الجيش السوداني أو السلطات السودانية حول الاتهامات الموجهة إليهم. أما الحكومة التركية، فقد واصلت تبني موقفها الرسمي المحايد من الصراع. وفي تصريح لمسؤول بالسفارة التركية في واشنطن، رفض الكشف عن اسمه، قال: “تركيا لم تقدم أي دعم عسكري لأي طرف في النزاع منذ اندلاعه”، لكن الوثائق المسربة تشير إلى عكس ذلك، مما يثير تساؤلات حول مدى تورط أنقرة الفعلي.
علاقات اقتصادية مشبوهة
إلى جانب صفقات الأسلحة، تكشف الوثائق عن مفاوضات بين مسؤولين عسكريين سودانيين وشركات تركية بشأن منح تركيا امتيازات اقتصادية ضخمة في السودان، شملت الوصول إلى مناجم الذهب والفضة والنحاس، فضلًا عن منح شركات تركية حق تشغيل ميناء “أبو عمامة” على البحر الأحمر، وهو موقع استراتيجي تتنافس عليه كل من الإمارات وروسيا.
تورط دولي في نزاع السودان
لم تقتصر التدخلات الأجنبية في الحرب السودانية على تركيا، فقد تم توجيه اتهامات لدول أخرى، مثل روسيا وإيران والإمارات، بتزويد الفصائل المتحاربة بالأسلحة. تشير التقارير إلى أن الإمارات قدمت 32 شحنة أسلحة لقوات الدعم السريع، بينما زوّدت إيران الجيش السوداني بطائرات مسيّرة، فيما يُقال إن شركات روسية قدمت أسلحة خفيفة لمقاتلين من كلا الجانبين.
تداعيات دولية محتملة
قد تؤدي هذه التسريبات إلى توتر العلاقات بين تركيا وحلفائها الغربيين، لا سيما الولايات المتحدة، التي سبق أن اشترت ذخائر من “آركا ديفنس” عام 2024. إذا تأكدت الأدلة على تزويد الشركات التركية للأسلحة لكلا طرفي النزاع، فقد تجد واشنطن نفسها مضطرة لإعادة النظر في علاقاتها العسكرية والاقتصادية مع أنقرة.
السودانيون يدفعون الثمن
في نهاية المطاف، وسط هذه الصفقات المشبوهة والمصالح الجيوسياسية، يبقى الشعب السوداني هو الضحية الأكبر. مع استمرار تحليق الطائرات التركية المسيّرة في الأجواء، واستمرار تدفق الأسلحة، يغرق السودان في دوامة من العنف الذي حصد أرواح أكثر من 150 ألف شخص، وأجبر أكثر من 13 مليونًا على الفرار من منازلهم. وبينما تجني شركات الأسلحة أرباحًا طائلة، يظل المدنيون عالقين في حرب لا نهاية تلوح في الأفق لها.
صحيفة واشنطن بوست