لم يلتحق الطفل أحمد الذي لم يتجاوز عمره (11) عامًا بصفوف التعليم منذ أكثر من سبعة أشهر، فأصبح يقضي جل وقته على الطرقات عابثًا مع أقرانه الذين يواجهون المصير نفسه، عقب اندلاع الحرب في السودان بين الجيش والدعم السريع منذ منتصف نيسان/أبريل الماضي، مما أدى إلى تعطيل جميع المؤسسات التعليمية في البلاد إلى أجل غير مسمى. وأقحمت الحرب التي وصفها قادتها بالعبثية ما لا يقل عن (12) مليون طفل بالسودان في أزمة تعليمية تعد “الأسوأ في العالم” بحسب “اليونيسيف” ليبلغ إجمالي الأطفال غير الملتحقين بالتعليم المدرسي في السودان أكثر من (19) مليون طفل، مع تحذيرات أممية من “كارثة أجيال” في السودان جراء الحرب التي قد تعصف بمستقبل جيل كامل.
أدت الحرب إلى إغلاق (10,400) مدرسة في أنحاء السودان، ولا تلوح في الأفق أي إرهاصات لاقتراب انتهاء الاقتتال وعودة الطلاب إلى مقاعد الدراسة
أدت الأوضاع الأمنية إلى إغلاق (10,400) مدرسة في أنحاء السودان، ولا تلوح في الأفق أي إرهاصات لاقتراب انتهاء الاقتتال تمهيدًا لعودة الطلاب إلى مقاعد الدراسة، لا سيما مع تكدس المدارس في الولايات الآمنة بالنازحين من المناطق المتضررة من الحرب، مما يصعب إخلاءها في الوقت الحالي بإجلاء النازحين منها إلى أماكن أخرى.
انهيار العام الدراسي
وأعربت منظمتا “اليونيسيف” و”إنقاذ الطفل” –في بيان مشترك صدر مطلع الأسبوع الجاري– عن قلقهما من عدم إمكانية عودة أطفال السودان إلى فصول الدراسة خلال الأشهر المقبلة بعد انقطاع دام لأكثر من سبعة أشهر عن التعليم، محذرتين من الآثار السالبة لهذا الانقطاع على الأطفال على المديين القريب والبعيد. وقال البيان إن أكثر من (5.5) مليون طفل في السودان في المناطق الآمنة لا يمكنهم العودة إلى مقاعد الدراسة. وتشير إحصائيات إلى أن ما يقارب نصف سكان السودان من الأطفال، بتعداد يبلغ (23) مليون طفل، مما يزيد من مخاوف استغلال الأطفال من قبل الجماعات المسلحة أو تعرضهم لانتهاكات جنسية.
وفيما يخص الإنفاق على الخدمات الاجتماعية، أوضحت المنظمتان أن الأشهر السابقة شهدت انخفاضًا كبيرًا في هذا الجانب، إذ لم يتحصل المعلمون في أجزاء واسعة من البلاد على رواتبهم، فيما يعاني القطاع من نقص حاد في الإمدادات التعليمية، إلى جانب عدم صيانة المرافق التعليمية. وناشدت المنظمتان السلطات السودانية باستئناف الدراسة في المناطق الآمنة ودعم وسائل التعليم البديلة في المجتمعات غير الآمنة.
وأطلقت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) في وقت سابق منصة للتعليم الإلكتروني ضمن الوسائل البديلة للتعليم في السودان، من خلال موقع يحمل اسم (The learning passport)، ويحتوي الموقع على المناهج المقدمة للطلاب في السودان من الصف الأول وحتى الثامن، والدروس مصحوبة بالشرح ومقاطع فيديو توضيحية وتدريبات لقياس استيعاب الطلاب. والموقع متاح مجانًا ولا يستهلك الإنترنت، مما يسهل على الطلاب الوصول إلى المواد التعليمية. لكن ذلك لا يعد بديلًا عن الذهاب إلى المدرسة والالتحاق بفصول الدراسة، والتي من شأنها أن تقدم تجربة اجتماعية فريدة وتساهم في صقل المهارات الاجتماعية للطفل إلى جانب الفوائد التعليمية.
مراكز إيواء
يصف الخبير المجتمعي محمد الهادي مشكلة الدراسة في السودان بأنها “الأكثر تعقيدًا” من بين المشكلات التي أنتجتها الحرب. ويوضح في حديث إلى “الترا سودان” صعوبة العودة إلى الدراسة بعد أن تحولت جميع المؤسسات التعليمية الحكومية في الولايات إلى مراكز لإيواء النازحين المتضررين من الحرب، لافتًا إلى أن عدد النازحين من الأطفال فقط يقدر بثلاثة ملايين طفل وهو “أكبر عدد للأطفال النازحين في العالم” حسب منظمة “اليونيسيف”.
نازحون في أحد مدارس السودانتكدست المدارس في الولايات الآمنة نسبيًا بالنازحين من مناطق الاشتباكات (Getty)
ويؤكد الهادي ضرورة تأسيس مراكز إيواء للنازحين ونقلهم إليها حتى يتسنى للجهات المعنية استئناف العام الدراسي الذي تعطل في جميع أنحاء البلاد منذ سبعة أشهر. ويوضح الهادي الآثار السالبة لانقطاع الأطفال عن التعليم، ومن ضمنها: فقدان المهارات الحياتية الأساسية بالإضافة إلى انخفاض فرص التطوير الشخصي للطفل في الجوانب الاجتماعية، لافتًا إلى أهمية “الروتين اليومي” الذي يوفره التعليم المنتظم للطلاب.
ومع إطلاق أول رصاصة للحرب في الخرطوم توقف العام الدراسي بعد أن شارف على نهايته. وبدأت موجات النزوح من الوسط إلى الأطراف حتى وصل عدد النازحين إلى نحو ستة ملايين شخص، مما عطل استئناف العام الدراسي في الولايات الآمنة بسبب تكدس المتضررين من الحرب في المرافق العامة ومن ضمنها المدارس التي تحولت إلى مراكز لإيواء النازحين. ويرى محللون أن من الصعب استئناف الدراسة في الأشهر المقبلة، ما يهدد بضياع العام الدراسي على الطلاب وينذر بكارثة بالغة التعقيد ستواجه جيلًا كاملًا في أنحاء البلاد.
الترا سودان