والبيت يوسف أحمد
تنشأ حركات التحرر الوطني في جميع أنحاء العالم لتحرير الأوطان والشعوب من عدة عوامل منها سيطرة الأقليات على السلطة والحكم وموارد الدولة ومؤسسات الدولة الخدمية والمؤسسات الإقتصادية والأمنية ومحاولة القضاء على الإرث الثقافي لبعض الكيانات مما ينتج عنه الإستعلاء العرقي والثقافي. ثم التهميش المتعمد لأقاليم أو كيانات بعينها داخل الدولة مما ينتج عنه الجهل والتخلف والفقر والشعور بالظلم وعدم الرضا عن ما تقدمه الدولة للمواطنين..وهو ما اصطلح عليه التنمية غير المتوازنة.
في السودان قامت الكثير من حركات التحرر الوطني وأبرزها حركة أنانيا ون بقيادة جوزيف لاقو عقب التذمر وسط الكتيبة الجنوبية في توريت والتي صدرت لها التعليمات بالتحرك لشمال السودان إلا أن الكتيبة بأكملها رفضت الإنصياع للتعليمات فأخرج أحد الضباط الشماليين مسدسه وصوبه تجاه أحد العساكر الجنوبيين فأرداه قتيلاً في الحال فاندلع تمرد توريت في ١٨ مايو ١٩٥٥ وكانت بمثابة الشرارة لثورة في جنوب السودان ضد المركز الذي إستمرأ في نقض العهود والمواثيق مع أبناء جنوب السودان حتى قبل فجر الإستقلال فكانت أنانيا تو ثم جاء ميلاد الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان الذي حارب المركز بضراوة وبرعت النخب الحاكمة في المركز في تضليل العالم وإستعطاف الدول العربية والإسلامية بأن هذه الحرب هي ضد العروبة وتارة ضد الإسلام والمسلمين وفشل المركز في تطويع وهزيمة تلك الثورة الشعبية مما إضطرها للتفاوض معها وتوقيع إتفاقية السلام الشامل(comprehensive peace agreement )
في العام ٢٠٠٥ تلك الإتفاقية التي أدت لفصل جنوب السودان عن شماله كإستحقاق للإتفاقية والتي نصت علي العمل على الوحدة الجاذبة أو تقرير المصير لشعب جنوب السودان حال فشلت عوامل وعناصر الوحدة الحاذبة..
في دارفور نشأت بعض الحركات للمطالبة بحقوق أهل الإقليم لكن معظمها لم ترى النور لأسباب تعود لتلك الحقب. يعلمها من كانوا شهوداً على تلك الحقب التاريخية.
مع نهاية التسعينات بدأ التذمر وسط أبناء دارفور وكردفان وبعض المناطق التي شعرت بالتهميش من قبل فئة قليلة مقارنة بالتعداد السكاني للأقاليم. الشعور بسيطرة تلك الفئة القليلة على مفاصل السلطة والثروة والمنظومة الأمنية دفع بعض من أبناء المناطق الأخرى وعلى رأسها دارفور التحرك خلسة داخل المؤسسات والهيئات والبنوك والشركات الحكومية والوزارات السيادية ومؤسسات القوات النظامية وغيرها بغرض جمع المعلومات الدقيقة والتفصيلية والمبنية على الحقائق التاريخية منذ ١٩٥٥ حتى ذلك التاريخ. كانت الحصيلة الكتاب الذي أصدرته المجموعة التي أسست حركة العدل والمساواة السودانية وهو كتاب (إختلال ميزان السلطة والثروة في السودان) والذي نعته مجموعة المركز بالكتاب الأسود.
تم توزيع هذا الكتاب بسرية تامة وكان محظوراً بل تعرض الذين عملوا على توزيعه للسجن والتعذيب والبطش لكنه كان بمثابة إظهار الحقائق وبذر بذرة الشعور بالظلم الإجتماعي والتهميش المتعمد الممنهج وهناك عوامل أخرى أدت لقيام التمرد المسلح في دارفور ضد المركز في الخرطوم. وظهرت جلية عندما قامت هذه القوة المسلحة بالتنسيق فيما بينها بالهجوم على الفاشر بضراوة وخاصةً مطار الفاشر ثم أسر قائد الدفاع الجوي بالقيادة الغربية وهو اللواء طيار إبراهيم البشرى. كانت تلك بمثابة الشرارة الاولى في دارفور وتعاملت النخب الحاكمة في المركز باعتبارها أعمال النهب المسلح وحاولت التغبيش على الرأي العام ولكن سرعان ما توسعت عمليات تلك الحركات المسلحة وبدأت في إستهداف الحاميات والمواقع العسكرية في الإقليم..
تبلورت رؤية هذه المجموعات المسلحة لمحاربة المركز والمطالبة بحقوق الإقليم في التنمية والخدمات فكان ميلاد حركة جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة السودانية..
ولا تنتطح عنزتان في أن الهدف المحوري لتلك الحركات المسلحة هو التغيير الجذري لنظام الحكم في السودان وإقامة دولة المواطنة الحقة التى يتساوى فيها جميع أبناء السودان في الحقوق والواجبات وإنهاء مسألة الهيمنة والإستعلاء العرقي والثقافي والديني حتى.
حاربت هذه القوى المسلحة حكومة المركز بضراوة وهزمتها شر هزيمة في بداية عهدها ثم تطور فكر ومنهج وبرنامج هذه الحركات المسلحة وتوسعت لتشمل المطالبة بحقوق جميع أبناء المناطق المهمشة في السودان فاستوعبت معها جميع أبناء السودان من شرقه وغربه شماله وجنوبه وتوسع نطاق عملياتها العسكرية ليس في دارفور وكردفان فحسب بل جميع مناطق السودان حتى تمكنت حركة العدل والمساواة السودانية من دخول العاصمة الخرطوم في عملية نوعية سُمِّيَت بعملية الذراع الطويل..
كل ذلك من أجل تغيير النظام الحاكم في الخرطوم وهو نظام المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية ومؤسساتها الأمنية من الجيش والشرطة والأمن ذلك النظام الذي تعمد تهميش أقاليم بعينها وحولت التنمية والخدمات إلي أقاليم أخرى وتعمدت كذلك إحتكار السلطة وإمتلاك الثروة وعدم عدالة الفرص في القَبول للخدمة المدنية وكليات الشرطة والجيش وكذلك جهاز الأمن والمخابرات تلك الإمبراطورية التي يكاد أن يكون سيطر عليها أبناء كيان واحد من إقليم واحد لا يتعدى تعدادهم السكانى نسبة ١٣% من جملة سكان السودان…
هل حققت حركات الكفاح المسلح ذلك الهدف المحوري لنشأتها؟ ؟؟
وما هو مصير الملايين الذين شردتهم الحرب فأصبحوا إما نازحين داخلياً أو لاجئين في دول الجوار أو مشردين ومهجرين قسراً ؟؟؟