لا بد من أن نعود للوراء قليلاً حتى نقف على من كانوا وراء إنشاء بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة على الانتقال “يونيتامس” وحقيقة دوافعهم في السودان. وكما أوردت في مقالات سابقة، فإنه وفي ما يتعلق بخروج وإنهاء ولاية “البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي – يوناميد” الذي تحدد له منتصف عام 2020، فقد حدث توافق عام في الأمانة العامة للأمم المتحدة وبين أعضاء مجلس الأمن وفي الاتحاد الأفريقي على هذا الخروج، وبارك السودان هذا التوافق الذي قضى بأن يتولى الفريق القطري للأمم المتحدة Country Team في السودان تنفيذ خطط ما بعد النزاع والتركيز على “المناطق الملتهبة” كما ورد في تقارير الإدارة السياسية للأمم المتحدة، لإحداث طفرة تنموية بمساعدة المانحين وبتعزيز ودعم قدرات البلاد على اللحاق بركب التنمية من خلال البرنامج الطموح للأمم المتحدة لأهداف التنمية المستدامة SDGs وبلوغ تلك الأهداف بحلول عام 2030 مثل بقية دول العالم.
كانت تلك هي الخطوة ذاتها التي اتخذتها جمهورية تيمور لست (تيمور الشرقية) مثلاً في انتقالها من حال النزاع مباشرة إلى حال التنمية والاستقرار بمعاونة الأمم المتحدة عن طريق الفريق القطري المنتشر في كل الدول الأعضاء بالأمم المتحدة الذي هو بمثابة التمثيل الدبلوماسي في العلاقات بين الدول، وهذا الترتيب كان من شأنه بعد إخماد التمرد وأسبابه في دارفور أن يركز مباشرة من دون إهدار الوقت على التنمية لأن انعدامها أو فقرها كان هو أساس الصراع وسببه ولأن انتشال السودان كله من وهدة التخلف الاقتصادي كان يشكل تحدياً وجودياً له، كما أقر بذلك تقرير الأمم المتحدة الذي صدر عن الإدارة السياسية في الـ12 من مارس (آذار) 2020.
قبل ثورة ديسمبر (كانون الأول)، تحديداً عام 2018 سعت الدولة حاملة قلم قضايا السودان في مجلس الأمن “Pen Holder” وهي المملكة المتحدة إلى تعطيل خروج بعثة “يوناميد” من البلاد حتى 2022، غير أن الجهد الذي بذلته بعثة السودان في نيويورك ووزارة الخارجية بدعم قوي من روسيا والصين ومن الدول العربية والأفريقية في المجلس أفشل هذا السعي وتم تأكيد التمسك بخروج البعثة الأممية بحلول يونيو (حزيران) 2020، وكسرت روسيا حاجز الصمت أو “الإجراء الصامت” مرتين في خطوة يندر حدوثها.
لكن التطورات اللاحقة عام 2019 بإزاحة حكم الإنقاذ تماماً في أبريل (نيسان) وتعيين الدكتور عبدالله حمدوك رئيساً للوزراء في سبتمبر (أيلول) بعد إجازة الوثيقة الدستورية، قلبت الأوضاع رأساً على عقب في ما يتعلق بهذه المسألة.
سابقاً وعندما حان موعد الاجتماع الدوري لمجلس الأمن لاتخاذ قرار في شأن “يوناميد” في الـ27 من يونيو 2019 والذي كان مناسبة منذ يونيو 2018 للخفض التدريجي في القوام العسكري والمدني للبعثة وصولاً إلى الخروج الكامل من السودان في يونيو 2020، اتخذ المجلس قراراً مغايراً، بررته المملكة المتحدة بالأحداث التي جرت في السودان، بتجميد عملية الخفض أربعة أشهر تنتهي في الـ31 من أكتوبر (تشرين الأول) 2019 ونص القرار أيضاً على إيجاد آلية سياسية لما بعد “يوناميد”.
في الـ22 من أكتوبر 2019 بعث رئيس الوزراء السوداني رسالة طلب فيها من مجلس الأمن تمديد بقاء “يوناميد” لمدة 12 شهراً وفي الـ27 من يناير (كانون الثاني) 2020 بعث برسالة لاحقة للأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن أشاد فيها بالدور الذي قامت به “يوناميد” في دارفور وطلب فيها استصدار ولاية (بموجب الفصل السادس من الميثاق) في أقرب وقت لدعم عملية السلام في شكل بعثة سياسية ذات مكون قوي لبناء السلام تغطي كل السودان، وتقوم بالإصلاح القانوني والقضائي وإصلاح الخدمة العامة والمنظومة الأمنية.