زادت حيرة قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان مع توالي هزائمه العسكرية والسياسية في مواجهة قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي ظهرت علامات عدة تعزز تفوقه على خصمه اللدود، ما جعله يبدو أكثر ارتباكا في مواقفه.
وبعد أن رفض البرهان مهمة بعثة الأمم المتحدة في السودان ووجه لها انتقادات حادة واتهامات شككت في دورها، عاد ليستنجد بأهم أذرعها، مجلس الأمن، وطالبه السبت بأن يضطلع بمسؤوليته تجاه ما سمي بـ”الدول التي تغذي استمرار الحرب في السودان (لم يسمها) بتزويدها الدعم السريع بالسلاح والدعم السياسي والإعلامي”.
جاءت هذه المطالبة بعد وقت قصير من إبلاغ السودان الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) بتجميد عضويته فيها، وعدم الالتفات إلى قراراتها بشأن ملف الأزمة، بعد أن وافق سابقا على وساطتها وقبل علنا بعقد لقاء مباشر مع حميدتي.
وأصبحت وزارة الخارجية وكرا لفلول النظام السابق، ومتهمة في نظر الكثير من السودانيين بأنها تدير الكثير من الملفات الحيوية بعقلية غلّبت فيها مصالح قيادات حزب المؤتمر الوطني (المنحل) على مصالح السودان، وكلما اقترب البرهان من الدخول في مفاوضات لوقف الحرب قذفت بقنبلة سياسية أوقفت المفاوضات.
وتعكس تصريحات السودان الجديدة التي تفيد بوجود جهات خارجية تدعم قوات الدعم السريع عسكريا محاولة لتفسير هزائم الجيش المستمرة أمامها، وسعيا لنزع صفات التقاعس والاستسلام والإحباط عن عناصره، إذ راجت معلومات عن عدم اقتناع قيادات كبيرة بجدوى الحرب وقيام بعضها بتسليم ألويتها والانسحاب من معارك عدة.
وتنطوي مخاطبة السودان مجلس الأمن الدولي على محاولة جديدة للهروب من الواقع الصعب الذي يعيشه قائد الجيش بعد تحميله من جانب قوى مدنية عديدة مسؤولية اندلاع الحرب واستمرارها، وتشبثه بالسلطة وعدم استعداده لتسليمها إلى حكومة مدنية.
وقال المحلل السوداني عادل إبراهيم حمد إن “اللجوء إلى مجلس الأمن يعزز الشيزوفرينيا التي يعاني منها قائد الجيش، حيث سبق وأن احتج على دور بعثة الأمم المتحدة في عهد الرئيس السابق فوكر بيرتيس، وهناك مخاوف من رئيسها الحالي رمطان لعمامرة، فكيف يشكك ويثق بها، ما يعبر عن التباس متزايد، يدل على وطأة الهزائم العسكرية والسياسية التي تعرض لها البرهان مؤخرا وجعلته يمضي في اتجاهات متناقضة”.
وأضاف لـ”العرب” أن “البرهان هو المستفيد الأول من وقف إطلاق النار والجنوح إلى السلام، ومن يجرّونه إلى استمرارها بطرق مختلفة يخدمون أهدافهم أولا، لأنهم يعلمون أنه في اليوم التالي لوقف الحرب سيتعرضون لملاحقات شعبية وقانونية، ولذلك يكشف اللجوء إلى مجلس الأمن في هذه الأجواء عُمق ما أصابه من ارتباك”.
ويريد البرهان من وراء جر مجلس الأمن إلى بعض التفاصيل الدخول في قضية فرعية قد تجنبه وطأة حرج عسكري وآخر سياسي بالغين، وتؤدي إلى مزايدات حول الدول المعنية التي تساند الدعم السريع، وهل هي عربية أم أفريقية، أم الاثنتان معا؟
الإعلان عن هذه الخطوة حاليا يوحي بأن السودان ينحاز إلى إيران في مواجهتها لقوى كبرى ورغبتها في زعزعة الأمن والاستقرار في البحر الأحمر
وقد تفتح هذه النوعية من الاتهامات أعين المجتمع الدولي على الجهة أو الجهات الخارجية التي تدعم قائد الجيش في الحرب، خاصة أن وزير الخارجية المكلف علي الصادق التقى على هامش قمة عدم الانحياز في كمبالا مؤخرا نائب الرئيس الإيراني محمد مخبر واتفقا على تسريع الخطوات المتعلقة بإعادة التمثيل الدبلوماسي وفتح سفارتي البلدين قريبا.
ويوحي الإعلان عن هذه الخطوة حاليا بأن السودان ينحاز إلى إيران في مواجهتها لقوى كبرى ورغبتها في زعزعة الأمن والاستقرار في البحر الأحمر، وما تمثله تهديدات جماعة الحوثي العسكرية المدعومة من طهران للمنطقة.
ويعتقد البرهان أن الاستعانة بمجلس الأمن يحول وجهة نظر المجتمع الدولي بعيدا عن جوهر الأزمة السودانية، وشبح اللجوء إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يلوح في الأفق ويخول استخدام القوة ضد الجهة التي تعرقل التوصل إلى السلام.
وهناك مؤشرات تقول إن قائد الجيش وبيانات وزارة الخارجية يتحملان مسؤولية التعثر، في حين أن قائد الدعم السريع يشدد في كل مقارباته السياسية المعلنة على حرصه على وقف الحرب والتوصل إلى سلام دائم عن طريق التفاوض، الأمر الذي يتنصل منه البرهان في كل مرة تلوح أو تنضج فيها ملامح وساطة إقليمية.
ويستغرب مراقبون تجاهل البرهان عمدا تقارير لمنظمات دولية أشارت إلى تجاوزات ارتكبها الجيش بحق مدنيين، وتم فرض عقوبات على قيادات إسلامية على علاقة وطيدة به، فضلا عن تجنيد أطفال بمعرفة ميليشيات تابعة لفلول البشير والزج بهم في ميادين القتال، وحضّ مواطنين على حمل السلاح والدفاع عن أنفسهم بدلا من الجيش.
ويرى المراقبون أن مجلس الأمن إذا تفاعل مع شكوى السودان -وهذا احتمال ضعيف في ظل تركيزه على قضايا إقليمية كبرى- فلن يقتصر التحقيق على ما يريده البرهان لإقامة الحجة على حميدتي أو الانتقام من دول نصحته بوقف الحرب ويتهمها ضمنيا بتأجيجها، بل ربما يتطرق إلى ما ارتكبته قوات الجيش من انتهاكات وفظائع في مناطق عدة، وتحديد الجهة التي ترفض التجاوب مع نداءات وقف الحرب ومحاسبتها.