في مشهد يلخص مأساة الحرب الأهلية التي تعصف بالسودان منذ أكثر من عامين، تعرّضت قافلة مساعدات تابعة للأمم المتحدة لهجوم دموي أثناء توجهها نحو مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، لتكون تلك المساعدات أول ما يصل إلى المدنيين المحاصرين هناك منذ أكثر من عام.
لكن القافلة لم تصل.
الهجوم الذي وقع يوم الإثنين الماضي أسفر عن مقتل خمسة من موظفي الأمم المتحدة، وإصابة آخرين بجراح متفاوتة، بالإضافة إلى تدمير المواد الغذائية التي كانت القافلة تحملها. كانت هذه القافلة، المكونة من 15 شاحنة، تمثل بارقة أمل لآلاف العائلات التي تواجه الجوع الحاد في ظل الحصار المفروض على المدينة.
في بيان رسمي، أدانت الأمم المتحدة هذا “العمل الوحشي بأشد العبارات”، قائلة:
“ما حدث هو انتهاك خطير بحق عمال الإغاثة الذين يخاطرون بحياتهم للوصول إلى الأطفال والعائلات المتضررة من المجاعة في السودان. من المؤسف أن المساعدات لم تصل للمدنيين الذين هم بأمسّ الحاجة لها.”
الفاشر: آخر قلاع الجيش السوداني في الغرب
تُعدّ مدينة الفاشر من آخر المناطق التي لا تزال تحت سيطرة الجيش السوداني في إقليم دارفور، بينما تواصل قوات الدعم السريع منذ العام الماضي هجماتها عليها في محاولة للسيطرة عليها. ورغم أن الأمم المتحدة لم تُحدد الجهة المسؤولة عن الهجوم على القافلة، إلا أن كلًّا من الجيش والدعم السريع تبادلا الاتهامات باستخدام الطائرات المسيّرة في الكمين.
الحرب المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أودت بحياة عشرات الآلاف، وأجبرت ما يقارب 13 مليون شخص على النزوح من منازلهم، في أزمة تصفها الأمم المتحدة بأنها “الأسوأ في العالم حاليًا”، مع تحذير برنامج الأغذية العالمي من أن قرابة 25 مليون سوداني يواجهون “الجوع الحاد”.
جرائم إبادة في دارفور
تتهم الولايات المتحدة، وخبراء تابعون للأمم المتحدة، الجيش السوداني والميليشيات المتحالفة معها بارتكاب عمليات إبادة جماعية ممنهجة بحق المكونات الإفريقية في دارفور.
تقارير صادمة من منظمات إنسانية
نشرت منظمة أطباء بلا حدود هذا الأسبوع تقريرًا جديدًا عن الوضع في جنوب دارفور، واصفة الأوضاع هناك بأنها “مزيج قاتل من العنف اليومي، وانهيار النظام الصحي، وعجز دولي مخزٍ عن الاستجابة.”
وجاء في التقرير أن المدنيين يُستهدفون في الطرقات والمزارع والأسواق وحتى في بيوتهم، وسط استمرار القصف بالطيران والمسيّرات. واتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش القوات المسلحة السودانية بقصف المدنيين في جنوب دارفور بشكل “عشوائي وممنهج”.
عنف جنسي ممنهج
ومن أبشع جوانب هذه الحرب ما وثقته منظمة “أطباء بلا حدود” عن انتشار العنف الجنسي في جنوب دارفور، حيث قدمت الرعاية لـ659 امرأة وفتاة بين يناير 2024 ومارس 2025، من بينهن 7% تقل أعمارهن عن 10 سنوات، وبعضهن لا تتجاوز أعمارهن الخمس سنوات.
روى رجل من غرب دارفور للمنظمة قصة مأساوية قائلاً:
“قبل ثلاثة شهور، تم اغتصاب طفلة عمرها 13 سنة بواسطة ثلاثة رجال. أمسكوها واغتصبوها ثم رموها في الوادي.”
كما نقلت المنظمة شهادة لفتاة تبلغ من العمر 17 عامًا قالت:
“ضربونا واغتصبونا في الشارع قدام الناس. كانوا 9 من أفراد. سبعة منهم اغتصبوني. تمنيت أني أفقد ذاكرتي بعد داك.”