نتنسم عبير استقلال السودان المجيد ونحيي بكل فخر واعتزاز الرعيل الأول الذي ساهم في استقلال البلاد. فيه رفعنا رايات استقلالنا وسطر التاريخ أمجاد شعبنا، ولكن تبخر حلم الاستقلال الحقيقي في أن نبني بلدًا وحضارة تليق بعظمة شعب السودان وموارده الهائلة التي حباه الله بها. في هذا اليوم التاريخي، الحسرة والألم لا شك يدقان باب كل سوداني لما آلت إليه حال البلاد، حيث الحرب الطاحنة تطحن الشعب السوداني دون رحمة أو هوادة.
صحيح أن المحطات الوطنية للشعوب هي محطات للتقييم والتفكير الوطني للنظر في حالها. مرت ثمانية وستون عامًا على استقلال السودان، وكان نصيب المؤسسة العسكرية “القوات المسلحة” في حكم البلاد سبعة وخمسين عامًا، ابتداءً من المرحوم إبراهيم عبود ستة أعوام، والمرحوم جعفر نميري ستة عشر عامًا، وجاءت الطامة الكبرى مع حكم الإنقاذ برئاسة المتهم عمر البشير ثلاثين عامًا، ثم البرهان خمسة أعوام.
هذه المؤسسة قادت حربًا مع مواطنيها في جنوب البلاد حوالي سبعة وثلاثين عامًا، وكذلك قادت حربًا مع مواطنيها في دارفور زهاء سبعة عشر عامًا، والآن تقود حربًا مع “ولدها” من رحمها. أما آن لهذه المؤسسة أن تعتذر للشعب السوداني، إذ حولت سلاح الشعب وماله ليصبحا ضد الشعب ذاته؟ لقد أصبحت الدولة باغية على المجتمع وخارجة على الشعب، بل متمردة على خياراته، وهو الشعب الذي يتوق إلى الحرية والسلام والاستقرار، ليعيش كريمًا مثل باقي شعوب العالم.
صحيح أن الجميع يسمع بتمرد الشعب، ولكن هناك أيضًا تمرد الدولة على الشعب. ما جرى في السودان هو عنف الدولة وبغيها على شعب أعطاها الأمانة لتحافظ على الحريات والحقوق الأساسية والأمن والاستقرار، لكنها خانت الأمانة وما زالت الحرب مستمرة. ومع ذلك، فإن إرادة الشعب الغالبة سوف توقف الحرب، وتنهي تمرد الدولة وعنفها إلى الأبد بإرادة هذا الشعب العظيم. والتحية مجددًا لصناع الاستقلال.