* كتبتُ كثيرا من قبل عن اهمية وضرورة المصالحة الوطنية الشاملة بين كافة فئات المجتمع السوداني بدون عزل لاحد بالشروط التي يتراضى عليها الجميع لايقاف الحرب وتحقيق السلام، على طريقة (الحقيقة والمصالحة) التي جُرِّبت في العديد من الدول التي شهدت إضطرابات وفوضى وحروبا دامية، وأدت لتحقيق الصلح والامن والإستقرار والسلام والتقدم الى الأمام، وتفاعل الكثيرون إما إيجاباً أو سلباً، بالإضافة الى وجود فريق في الوسط أبدى بعض التحفظات منها عدم افلات الذين ارتكبوا الجرائم من العقاب وإستعادة ما نُهب من أموال الدولة، وهى تفاصيل لم أتطرق إليها، ولكنها ستكون بلا شك ضمن بنود التفاوض بين جميع الأطراف، واستعراض الجهود والنتائج التي تمخضت عن تجارب الدول الأخرى والوصول الى صيغة مناسبة تناسب طبيعة وتقاليد وموروثات بلادنا في مثل هذه الأمور !
* نصف الذين كان لهم رأىٌ سالب، أرجعوا ذلك لعدم ثقتهم في الإسلاميين وشككوا في قبولهم بالمصالحة ومشاركة الاخرين لهم في الحكم وإدارة شؤون الدولة وتنازلهم عن السلاح والاعتذار عن الاخطاء التي ارتكبوها ..إلخ، وهو في رأيي شك مقبول، ولكن كل شئ جايز وربما يقبل الاسلاميون التصالح والتحول من مجموعة سياسية عسكرية الى حزب مدني يمارس الحياة السياسية مثل بقية الاحزاب، إذا إستشعروا المسؤولية وأحسوا بالقبول من الآخرين.
* ورفض النصف الآخر التصالح مع (قوات الدعم السريع) لما ارتكبته من جرائم وفظائع ضد الشعب، وفقدان الثقة فيهم، بالإضافة الى وصف البعض لهم بأنهم مرتزقة لا ينتمون للسودان، مما يستوجب إستبعادهم من أية معادلة سياسية في السودان وطردهم الى الدول التي أتوا منها ..إلخ، وهو في رأيي المتواضع حديث غير صحيح تغالطه حقائق الجغرافيا والتاريخ، فالغالبية من قوات الدعم السريع تنتمي لمكونات مجتمعية سودانية تتمدد على مساحات كبيرة من الوطن ولها أدوار بازرة في تاريخ السودان، وهو امر لا يمكن لاحد ان ينكره.
* صحيح أنها ارتكبت الكثير من الجرائم والاهوال، ولكن يمكن معالجة ذلك من خلال التفاوض واللجوء الى التجارب الإنسانية السابقة وعلى سبيل المثال التجربة الرواندية التي أعفت عن بعض مرتكبي الجرائم بعد اعترافهم بها واعتذارهم عنهم، وعاقبت الذين ارتكبوا الجرائم الوحشية، كما اننا في السودان نحوز على ارث ضخم وتقاليد شعبية راسخة في التعامل مع مرتكبي الجرائم في النزاعات العشائرية والمجتمعية وغيرها، وكل هذه وغيرها يمكن ان تكون إضافة ثرة ووسيلة ناجحة في الوصول الى صيغة مقبولة للجميع لتجاوز مساوئ الماضي واستشراف المستقبل بنفوس راضية!
* حسب تطور الحرب والمسارات التي انحرفت إليها من تدخلات إقليمية واسعة وزيادة معاناة المدنيين والخطر الداهم الذي يهدد الوجود السوداني ومستقبل الأجيال القادمة، فإن الدعوة الى التصالح صارت أكثر إلحاحاً، و(فرض عين) على كل سوداني، سواء في هذا الطرف أو الذلك، فالمشكلة السودانية لم تعد بين الجيش والدعم السريع، أو بين الكيزان ومعارضيهم، أو بين رافعي شعار دولة النهر والبحر والساعين لفصل غرب السودان، وإنما مشكلة وجودية تهدد وجود السودان نفسه، ولعل ذلك يبدو واضحا من خلال المطامع الإقليمية والدولية في السودان ومحاولة البعض لتعويض الخسائر التي لحقت بهم على حساب السودان، بالإضافة الى عين البعض على السواحل السودانية الاستراتيجية، ولعل ذلك ما يفسر سبب اتفاق اصحاب المطامع، رغم ما يبدو في الظاهر من خلافهم على الساحة السودانية، ودعوني أقول بكل صراحة ان الذين يقتتلون الآن من السودانيين (بكل فصائلهم) ما هم إلا مجرد أدوات، سواء بعلمهم او بدون ذلك، لتحقيق مطامع الآخرين!
* إن الحاجة الى المصالحة الآن بين كل السودانيين أدعى من أي وقت مضى لانقاذ وطنهم وشعبهم، وهى (فرض عين) على كل سوداني غيور على وطنه وشعبه، جيش أو دعامي أو حركات مسلحة أو كوز او قحاتي او شمالي او جنوبي أو شرقي أو غربي .. وإلا فعلى السودان وشعبه السلام… ولا عُذر لمن اُنذر !