وكالات الانباء – رصد Sudanjem.net ١٣ يونيو ٢٠٢٥م – في مشهد غير معتاد، هبطت أجولة ضخمة من الغذاء – تزن كل واحدة منها نحو 50 كيلوغرامًا – من طائرة شحن تحلق على ارتفاع ألف قدم، لتتساقط فوق الأراضي القاحلة في شمال شرق جنوب السودان، ضمن حملة إنزال جوي أثارت جدلاً واسعاً حول دور الشركات الخاصة وتسييس العمل الإنساني.
طيلة الأسابيع الثلاثة الماضية، نفذت شركة أمريكية خاصة، يديرها جنود ودبلوماسيون أمريكيون سابقون، سلسلة عمليات إنزال جوي شملت مئات الأطنان من المواد الغذائية مثل دقيق الذرة، الفول، والملح، إلى مناطق تعاني من مجاعة حادة نتيجة صراع دامي بين الجيش النظامي وميليشيات محلية، اندلع منذ فبراير الماضي.
مساعدات أم أجندات سياسية؟
ورغم أن حكومة جنوب السودان تقول إنها الممول الرسمي لهذه العمليات، إلا أن النشاط غير المألوف أثار موجة تساؤلات، خصوصًا في ظل تراجع الدعم الدولي بعد تفكيك إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وتقليصها لميزانيات المساعدات حول العالم.
شركة “فوجبو” (Fogbow) – المنفذة للعمليات – تضم حوالي 12 شخصًا، وسبق أن بدأت نشاطها في غزة والسودان في العام الماضي. ويترأسها ميك مولروي، وهو نائب سابق لمساعد وزير الدفاع الأمريكي خلال فترة حكم ترامب، ويشاركه في إدارتها دبلوماسي وجندي سابق في مشاة البحرية الأمريكية، إلى جانب رجل أعمال.
توسع في مناطق النزاع
وفقًا لمولروي، تلقت الشركة خمسة عروض جديدة لإدارة مشاريع إغاثية في مناطق نزاع داخل أفريقيا والشرق الأوسط، مرجعًا ذلك إلى أن “الجهات المانحة أصبحت عاجزة عن إيجاد شركاء موثوقين مع خفض الميزانيات، بينما يزداد الطلب على المساعدات بشكل خطير.”
لكن هذا النمو لم يمر دون انتقادات. خبراء إغاثة حذروا من أن نموذج “فوجبو” يعكس تحولًا مقلقًا نحو تسييس المساعدات، مما قد يهدد مبادئ الحياد والمصداقية لدى المجتمعات المتضررة.
تجربة مثيرة للجدل في غزة
في قطاع غزة، أثارت مؤسسة “غزة الإنسانية” – وهي كيان مدعوم من الولايات المتحدة ومفوض من إسرائيل لتوزيع الغذاء – جدلاً مماثلاً عندما تجاوزت نظام المساعدات الأممي، حيث اتهمها منتقدون بخدمة أهداف إسرائيلية ضمن سياق الحرب.
وردت المؤسسة على الانتقادات برسالة إلكترونية قالت فيها إنها “اعتمدت نموذجًا أفضل” لضمان وصول الغذاء، مضيفة: “مساعداتنا تصل وتُطعم الناس، بينما تُنهب مساعدات الآخرين”.
جدل متصاعد في جنوب السودان
رغم نفي شركة “فوجبو” وجود أي صلة لها بالمؤسسة المذكورة، فإن عملياتها في جنوب السودان تواجه اتهامات مشابهة. فقد تبيّن أن المساعدات تُسلم في أكياس مطبوعة عليها عبارة “إغاثة جنوب السودان الإنسانية” مع العلم الوطني، وهو ما اعتبره البعض تحيزًا لطرف حكومي في نزاع مسلح.
مانبيني بال، وهو مسؤول محلي بارز في منطقة “أولانج” الواقعة في ولاية أعالي النيل، صرّح قائلاً:
“يطلبون من الناس أن يأخذوا الطعام، لكننا نحذرهم من ذلك. نريد مساعدات الأمم المتحدة، لا نثق في الحكومة. كيف نعرف أن هذا الطعام آمن؟”
وفقًا لبرنامج الأغذية العالمي، فقد توقفت قوافل الإغاثة عن استخدام النهر كوسيلة توصيل إلى المنطقتين بسبب القتال العنيف، ويُخطط لتوزيع أكثر من 160 ألف طن من الغذاء في البلاد خلال عام 2025.
لكن عند سؤال المتحدث باسم البرنامج الأممي عما إذا كان الإنزال الجوي خيارًا مطروحًا، أوضح أن مثل هذه العمليات تُعتبر الملاذ الأخير بسبب تكلفتها العالية، إذ تصل إلى 17 ضعف تكلفة التوصيل البري أو النهري.
ختام
في الوقت الذي يزداد فيه الاحتياج الإنساني في جنوب السودان، تبقى الأسئلة مفتوحة حول الجهة التي تتحكم في الغذاء، وهل تتحول المساعدات الإنسانية إلى ورقة ضغط سياسية؟
تابعونا على Sudanjem.net لمواصلة تغطية هذا الملف المعقد.